تحتل القهوة مكانة بارزة في ثقافة البشر منذ ما يزيد على 15 قرنا. والبعضُ ينسب إليها الفضل في حثّ الخُطى التنويرية في القرنين الـ17 والـ18، عندما وُضع الأساس للعالم الحديث.
ويعدّ الكافيين هو المكون التنشيطي الرئيسي في القهوة، كما يعتبر اليوم أكثر المواد المنشطة للذاكرة استهلاكا في العالم، طابعاً بذلك أثره على الطرق التي نفكر ونشعر بها.
من أين تأتي القهوة؟
تأتي القهوة من ثمار نبات البُن العربي، ومنشؤها الأساسي في إثيوبيا. ويتم إنتاج أكثر من 90% من القهوة في بلاد نامية، ولا سيما في أمريكا الجنوبية، لكنها أيضا تنتَج في فيتنام وإندونيسيا، بينما يُستهلك معظم هذا الإنتاج في الدول الصناعية.
وتقول الأسطورة إنه وفي القرن التاسع للميلاد، كان هناك راع للأغنام يُدعى خالدي، وقد لاحظ هذا الراعي أن عنزاته تزداد نشاطا وحيوية بعد أن تلتهم ثمار القهوة، فرأى أن يجرّبها بنفسه.
ومن يومها، والناس يتناولون حبوب القهوة المنقوعة أو يصنعون الشاي من أوراق النبات.
فيما تقول مصادر تاريخية إن المتصوّفة في اليمن كانوا هم أول من حمّص حبوب القهوة، في القرن الـ14 للميلاد، صانعين هذا المشروب المتعارف عليه اليوم.
وبحلول القرن الـ15، بدأت تظهر المقاهي في أنحاء الإمبراطورية العثمانية، ومن هناك انتشرت في ربوع أوروبا حيث أصبحت تلك المقاهي مراكز للحديث في التجارة والسياسة، فضلا عن الأفكار الجديدة بشكل عام.
ويذهب بعض العلماء، ومنهم الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني الشهير يورغن هابرماس، إلى أنه لم يكن ليحدث تنوير بدون القهوة.
وبحسب هابرماس، أصبحت المقاهي “مراكز للنقد” خلال القرنين الـ17 والـ18 حينما بدأ الرأي العام يتشكل.
ويُعتقد أن العديد من رموز التنويريين كانوا من عشاق القهوة؛ وكان الفيلسوف الفرنسي فولتير يتناول ما يزيد على 72 كوبا من القهوة يوميا، ويقال إن الفيلسوف الفرنسي دنيس ديدرو اعتمد على القهوة في وضع موسوعته التي تقع في 28 جزءا – والتي تعدّ أساسا للتنويريين، بحسب الكاتب الأمريكي مايكل بولان.
كيف تؤثر القهوة على الجسم؟
فور تناوُل الكافيين فإنه يسافر عبر الجهاز الهضمي وصولا إلى مجرى الدم. على أن تأثيره يبدأ بمجرد وصوله إلى الجهاز العصبي. وتتشابه مادة الكافيين مع مادة الأدينوزين التي يفرزها الجسم بشكل طبيعي.
وتعمل مادة الأدينوزين هذه على تهدئة الجهاز العصبي الودّي، وذلك يؤدي إلى انخفاض في معدل نبضات القلب ما يورث بدوره شعورا بالاسترخاء والنعاس.
وتلتقي مادة الكافيين مع مستقبلات الأدينوزين الموجودة على سطح الخلايا العصبية، على نحو يشبه دخول المفتاح في القُفل. ولكن بتعطيل هذه المستقبلات ينتج الأثر العكسي.
وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع طفيف في ضغط الدم، وتحفيز نشاط المخ، وتقليص الشعور بالجوع وتعزيز الشعور باليقظة والانتباه، وبالتالي تعزيز التركيز لفترة أطول.
ويمتد أثر الكافيين إلى الحالة المزاجية فيقوم بتعزيزها، فيما يقلص الشعور بالإرهاق، ويحسّن الأداء البدني، وأحيانا ما يستخدم الرياضيون الكافيين كمكمّل غذائي.
ويمكن لهذه الآثار أن تدوم لفترة تتراوح بين 15 دقيقة وساعتين. ويستغرق الجسم مدة تتراوح بين خمس إلى 10 ساعات للتخلص من الكافيين بعد تناوُله، لكن آثاره يمكن أن تستمر لفترة أطول.